أحمد الدواس
في قديم الزمن عاش الإنسان حياةً بدائية، كانت لديه ماعز أو بقرة يشرب من لبنها، ويصطاد غزالا أو أرنبا ليأكله، وربما ربى بعض الدجاج، لم يكن للنقود وجود، لهذا تبادل الناس الأشياء بالمقايضة، فهذا الشخص يبادل شخصاً آخر فاكهة، كالموز مثلاً، مقابل البيض، لكن لهذا التعامل عيوبــاً، فإذا أراد أحدهم أن يبادل دجاجة ببعض اللحم فان صاحب الدجاجة يبحث هنا وهناك عن صاحب اللحم، فإذا وجده فإنه يطلب من مالك البقرة أن يذبحها حتى يعطيه جزءاً منها، وبالطبع فان مالك البقرة لن يذبحها من أجل أن يعطي صاحب الدجاجة جزءاً منها، فماذا يفعل بباقي اللحم، ماعندهم ثلاجة، وفي ظل مجتمعٍ كهذا يكون التبادل مزعجاً والتجارة بطيئة.
بمرور الزمن اتفق الناس على استعمال وسيط يتبادلونه بينهم، يمكن حمله بسهولة، وبالإمكان تخزينه بالمنزل، فقرروا مثلاً استخدام” الملح” لأهميته، فيخرج أحدهم حفنةً من الملح، لنقل بحجم كف اليد، ليبادلها بثلاث بيضات، لكن الملح كوسيط يذوب في الماء وقد يتلف، فلايصلح للتبادل، ثم استعملت المجتمعات الإنسانية”المحار والقواقع”وغير ذلك، أعطيك كذا محارة تعطيني الشيء الفلاني، كوسيلة للتبادل بين الأفراد.
وهكذا إلى ان اكتشف الإنسان ان الذهب والفضة لا يتأثران بالتقلبات المناخية، ويسهل حملهما بسهولة، فتم استخدامهما قبل آلاف السنين كوسيط للتبادل، وأيضاً لتخزين القيمة، كما أنهما لا يتعرضان للتغيير بمرور الزمن، فهذا يعطي الآخر قطعة من الذهب أو الفضة ليشتري، فيقبض الثاني النقود ويشتري هو أيضا بهذه القطع، بدلا من حمل الملح مثلا ليشتري به.
وقبل مئة عام عندما نشبت الحرب العالمية الأولى، أو في حدود ذلك التاريخ لتسهيل التحليل، لم تمتلك أوروبا كمية كافية من الذهب والفضة، وكانت دول أوروبا تتقاتل في ما بينها، ولما كان لابد من الإنفاق على الجنود فكرت أوروبا بإصدار الورقة النقدية (النوط كما نقول)على ان تتعهد بأن تدفع لحاملها كمية من الذهب إذا أراد ان يصرف العملة الورقية في البنك، وتدريجياً اعتاد الناس على هذه العملة كوسيط للتبادل، ولم يذهب بعضهم الى البنوك ليتسلموا الذهب بدلاً منها، اطمئناناً وثقة بقيمة الورقة النقدية التي تصدرها الحكومة على شكل نقود.
يوم الأحد 29 يونيو 2014 تم التعامل بورقة نقدية كويتية جديدة أصدرها بنك الكويت المركزي، هي الإصدار السادس لأوراق النقد الكويتية، وهذا التبديل للعملة له بعض الفوائد، حيث يكشف الأموال غير المشروعة، سواء تحدثنا عن بلدنا أو أي بلدٍ آخر، فتاجر المخدرات عادة ما تكون لديه بضعة آلاف من نقد البلد، فإذا كان التاجر متواجداً في الكويت فان قرار الحكومة بتبديل العملة يجعله يهرع نحو البنك لاستبدالها بالعملة الجديدة، وهنا سيُفتضح أمره، فالبنك والجهات الرقابية سوف تسأله عن مصدر الأموال، وهناك الأموال المخبأة في المنازل، فمن المواطنين من يجمع المال في بيـته فيضطر عند تغيير العملة الى مراجعة البنك لتبديلها، فقد يأتي مواطن بكيسٍ من النقود به مبلغ 3000 دينار أو مايزيد ، هنا ينظر البنك في ما إذا كان الإيداع يستدعي الريبـة أم لا.
وهكذا فان تبديل العملة في أي دولة فرصة لتنظيف السوق من الأموال المحرمة، وإجراء يضيق الخناق على تجار المخدرات بما لديهم من أموال اكتسبوها بطريق غير شرعي، ويجعلهم يهرعون الى البنوك لاستبدالها، فيتعرضون للمساءلة والتصريح عن مصدرها، وإلا فان أموالهم ستصبح غير صالحة للتداول قريبا.
هذه هي النقود، كيف ظهرت وتبادلها الناس، وأخذ يصدرها البنك المركزي للدولة، ولها سعر، يقبل بها الناس في البيع والشراء، أما البدع الأخرى التي تدخل في مجال النصب والاحتيال فليست نقودا، فالعملة الرقمية “بيتكوين” التي أذيع عنها لا يوصي بها المحللون الماليون لما تنطوي عليه من مخاطر جمة، فـ”بيتكوين” هي جنون عالمي، إنها قمار وليست استثماراً، وتداولها محفوف بمخاطر مهولة تلحق الخسائر بالناس، ومع هذا يروج البعض لها على الانترنت.
ليت مدارسنا تُدرس شيئاً عن الضمير الحي حتى نزرع في صدور النشء معاني الأمانة والصدق، لنقضي على السلوكيات السيئة في بلدنا كالفساد، فهناك من مات ضميره فمات لديه الشعور بالأخلاق القويمة، وباع نفسه لأهوائها، بل لم يتردد في بيع وطـنه.