محمد الفوزان
كانت هناك حُجرة صغيرة فوق سطح أحد المنازل، عاشت فيها أرملة فقيرة مع طفلها الصغير حياة متواضعة في ظروف صعبة، إلا أن هذه الأسرة الصغيرة كانت تتميز بنعمة الرضا وتملك القناعة التي هي كنز لا يفنى.
أكثر ما كان يزعج الأم هو هطول الأمطار في فصل الشتاء، فالغرفة عبارة عن أربعة جدران، و فيها باب خشبي، غير أن لا سقف لها.
وكان قد مر على الطفل أربع سنوات منذ ولادته، لم تتعرض المدينة خلالها إلا لزخات قليلة وضعيفة، غير أنه في يوم تجمعت الغيوم وامتلأت سماء المدينة بالسحب الداكنة، ومع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة على المدينة كلها، فاحتمى الجميع في منازلهم، أما الأرملة والطفل فكان عليهم مواجهة موقف عصيب.
نظر الطفل إلى أمه نظرة حائرة واندسّ في حضنها، لكن جسد الأم مع ثيابها كان غارقًا في البلل.
أسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلعته ووضعته مائلاً على أحد الجدران، وخبّأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر.
نظر الطفل إلى أمه بسعادة بريئة، وقد علت وجهه ابتسامة الرضا، وقال لأمه:” ماذا يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر”؟
لقد أحس الصغير في هذه اللحظة أنه ينتمي إلى طبقة الأثرياء، ففي بيتهم باب.
ما أجمل الرضا! إنّ الرضا جنة المؤمنين، فيها يستريحون من هموم الدنيا ومشاغل النفس وضيقها، ففي الرضا بقضاء الله وما قسمه لك غنى في النفس وراحة للبال، على عكس من لا يرضى بما قسمه الله، فإنه يكون على الدوام في شد وجذب مع نفسه وفي كدر وضيق.
والرضا هو سرور القلب بمرّ القضاء، وهو نعمة غالية وعبادة قلبية تغيب عن الكثير، من يفتقدها يشعر بالسخط والضجر ولا يتلذذ بما أعطاه الله من نِعم، وفي هذا يقول النبي (صلى الله تعالى عليه وآله وسلم):” وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ”.
الرضا هو قبول حكم الله في السراء والضراء، والعلم أن ما قسمه الله هو الخير كله، يقول الإمام الحسين بن علي(رضي الله تعالى عنهما):” من اتكل على حسن اختيار الله تعالى، لم يتمن غير ما اختار الله له”، ويبين لنا هذا الموقف في معنى الرضا بما قسم الله.
إنسان يطوف حول الكعبة يقول:” يا رب هل أنت راض عني”؟ وكان يطوف وراءه الإمام الشافعي، فقال له:” يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك”؟
فقال الرجل له:”يا سبحان الله! كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه”؟
قال الإمام الشافعي:” إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله”.