د.صبحي عبد النبي
من العجائب التي تشد العقول، وتيقن النفوس حتمًا، وتعين الذين تعروهم الشكوك حول الرسالة المحمدية؛ هي ثقافة البيئة العربية التي تخللت فيها الفجوة المعرفية في جانب من جوانب السيرة الأدبية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ماهي الفجوة !
الفجوة هي الفراغ بين الشيئين، ونقصد هنا غياب سيرة الأنبياء(عليهم الصلاة والسلام) في ساحة الحضارة العربية وغيرها من الحضارات.
لم يكتف الشعراء، والأدباء قبل الإسلام بالوقوف على الاطلال، وتجسيد البيئة وتشخيص المحبوبة فقط. لكنهم كانوا يستدلون احيانا بسيرة حية كقول الشاعر في وصف الحرب
“فتُنتجْ لكم غلمانَ أشُامَ كلهم
كأحمرِ عادٍ ثم تُرْضِعْ فتفطِمِ”.
هنا ذكر الشاعر”أحمر عاد” الذي عقر الناقة، وهذا يثبت معرفتهم بقوم صالح، وسيرة صالح(عليه السلام)، وكقول ورقة بن نوفل:” هذا هو الناموس الذي جاء به موسى (عليه السلام) وكمعرفة النجاشي بسيرة عيسى (عليه السلام)، والحوار الذي دار بينه وبين جعفر بن أبي طلب.
هذه الأمثلة ذكرتها استطرادا للرد على من يزعمون أن الأنبياء ليس لديهم اي سيرة الا في القرآن الكريم.
ولم يك ذكر الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) وسيرتهم في أرض العرب كثيرا، ومفصلا، مع علمهم بذلك، لكنهم أرخوا لبعض الشخصيات، بصورة تفصيلية، وذلك لاهتمامهم البالغ بشؤون القبيلة والفخر بها، وهذا لم يجدوه في سيرة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام).
وفي هذه الفجوة جاء سيدنا محمد( صلى الله عليه وسلم) وبيّن للناس سيرة أنبياء سبقوه بآلاف السنين، وعن حياتهم وبعض رحلاتهم، في ظل غياب سيرتهم في ارض مكة إلا ندرا، ومن هنا تبان لك عظمة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وصدق رسالته، إذ لو كان بشرا عاديا لما استطاع بإحياء سيرة غير متداولة في السن العرب. ولاتنس إرصاد المشركين له، وحرصهم على تتبع أقوال النبي( صلى الله عليه وسلم) إذ لو وجدوا فيه خطأ؛لأشاعوه فورًا.
وبهذا تنهدم الأفكار التي تزعم أنه تعلم من بشر وخصوصا من الحضرمي الفارسي الذي نفاه الله من فوق سبع سماوات بقوله:” لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين”.
إذن الحبيب صلى الله عليه وسلم أمي من حيث إنه لم يتعلم من بشر، ونبي وأعلم الخلق من حيث إن الله علمه كما قال تعالى:” علمه شديد القوى”، واظهر من لسانه الشريف سيرا غابت عن المجتمع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) حقا وصدقا.
كاتب سوداني