سعود السمكة
ابدأ بقول الله تبارك وتعالى: “قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم” (البقرة آية 263).
بادئ ذي بدء تحية للاشقاء في مصر الذين يضعون أشقاءهم في عيونهم، ومصر التي يعتبرها العرب شقيقتهم الكبرى، وحصنهم الحصين، وقت الملمات خصوصا نحن في الكويت، لا ننسى ولن ننسى مواقف مصر معنا، حتى قبل الاستقلال وقبل ان نتحول دولة ذات سيادة، وقبل ان يكتشف لدينا النفط، حين كنا مجتمعا على قد حالنا اقتصاديا، وليس لدينا امكانية للدخول في مضمار التعليم الحديث، كان لاشقائنا في مصر موقف تاريخي لن ينساه الكويتيون، جيلا بعد جيل، وسوف يبقى الى الابد منقوشا في التاريخ الكويتي، إذ بادرت الحكومة الكويتية بالتعاقد مع الحكومة المصرية آنذاك على تزويد الكويت بالاساتذة المعلمين، واستجابت الحكومة المصرية الشقيقة على الفور بارسال كوكبة من المعلمين، ساهموا بشكل اساسي في نهوض التعليم في مراحله الاولى حتى اشتد عوده، ووقف ومازال الاشقاء في مصر يعملون معنا ويساهمون في عملية البناء والانتاج على جميع الصعد، حيث هم من اقام اعمدة السلطة القضائية، وهم من ساهم بشكل اساسي في صناعة دستور الدولة، هذا ناهيك بالاطباء والمهندسين والمحامين والعاملين في شتى المهن، ناهيك بموقفهم البطولي، حين دهمتنا جحافل العراقيين في بلدنا بعملية احتلال بشعة، فكان موقف مصر السياسي والعسكري هو الذي رجح كفة التحرير.
كل هذه الفضائل التي قدمتها الشقيقة مصر لا تنسى من قبل الشعب والحكومة الكويتية، بل هي محفورة في الضمير، نعترف بها وهي في الحفظ والصون مدى الحياة، فنحن شعب لا نخجل من ارجاع الفضل لاهله وبالتالي نحن لسنا في حاجة الى من يذكرنا ونربأ بالشقيقة مصر ان تمن علينا بهذه الفضائل، وبقدر اننا لا نخجل في ارجاع الفضل لاهله، فاننا نخجل من ان نذكر الغير بما قدمناه من مساعدات، لاننا نرى في هذه المساعدات واجبا علينا ولا يحق لنا ان نمن فيها بعد ان نقدمها.
لقد لاحظنا في الآونة الاخيرة من خلال بعض الحوادث الفردية حين يتعرض لها مواطن مصري من البعض في مصر ردة فعل فيها من الاستعلاء وفيها من التصغير للغير، بل والتهديد وبدل ان توضع مثل هذه الحوادث في سياقها الطبيعي، خصوصا اذا ما حدثت في دولة تتمتع بنظام حكم مؤسسي كما هي دولتي الكويت نجد تهديدا بالويل والثبور، والتذكير بفضل مصر علينا، وكأن هذا البعض يريد ان يقول : “من انتم حتى تسمحوا ان يهان المصري في بلادكم، فانتم بلد صغير وكثافة سكانية متواضعة كيف تسمحون للمصري ان يهان في بلادكم ومصر هي الرئة والقلب للعالم العربي وهي من حررتكم من الغزو العراقي”!
كما استمعنا من بعض نواب مجلس الشعب المصري في ردهم على النائب صفاء الهاشم وبالمناسبة هناك الكثير لا يوافقون الطرح الذي تطرحه النائب صفاء، وانا كاتب هذه السطور اولهم ،خصوصا حين تتحدث بشكل غير لائق عن ضيوفنا الوافدين، لكن ما سمعته من مفردات فيها من البذاءة والوقاحة، وفحش القول تحدث بها البعض من اعضاء مجلس الشعب المصري، وهم يصفون نائب كويتية جاءت الى البرلمان بارادة شعبية بغض النظر نتفق او نختلف معها الا ان ما قام به هؤلاء النواب من اوصاف يعف عنها حتى اللسان الذي لم يحصل على الحد الادنى من التربية!
لهؤلاء النواب نساء كانوا أم رجال، عليكم ان تفهموا جيدا ان الكويت دولة ذات سيادة، ذات نظام مؤسسي وقوانين عصرية، هذه القوانين تطبق على الجميع ولدينا أكثر من مئة وعشرين جنسية من دول شقيقة وصديقة وتأتي كثافة الأيدي العاملة المصرية في مقدم هذه الجنسيات من حيث الكثافة، اي نحو 700 ألف نسمة يعملون معنا بكل شرف وامانة، ولا نقول عنهم كما يحلو للبعض من اعضاء مجلس الشعب المصري، ان يتهمونا بأن نقول عنهم “شحاتين”، بل نقول عنهم محشومين، فهم في بلدهم وبين اهليهم يعملون بشرف ويأخذون نظير هذا العمل حقهم في الاجر، شأنهم شأن اي مواطن كويتي، لكن حين يخالف احدهم قوانين البلد فلا يعتقد هؤلاء النواب ان الكويت سوف تلتفت الى محاولات ارهابهم، فتثني ركبها خوفا منهم، وبالتالي تتراجع عن تطبيق القانون بحقه!
ما نريد ايصاله لهذا البعض، نواب مجلس الشعب المصري، ومن يسير على طريقهم في النظرة الدونية للدول على اساس رقعتها الجغرافية، او تواضع كثافتها البشرية ومن ثم يتم تقييمها على هذا الاساس!
ان مكانة الدول ومدى حضورها في اوساط المجتمعات الاممية لا يكمن في السعة المكانية ولا بالكثافة البشرية، ولو ان العالم يسير على هذه النظرة الضيقة الاستعلائية التي ينطلق منها هؤلاء النواب في تقييمهم للدول لما اهتز العالم في الثاني من اغسطس عام 1990 من اقصاه الى اقصاه اكثر من ثلاثين دولة واستنفروا قواهم لأجل 15 ألف كيلو متر مربع من الارض وما دون المليون من البشر وحشد احدث ما لديه من اسلحة للدفاع عنها ثم تحريرها ولما حصل قائدها على لقب قائد للعمل الانساني وبلده الصغير مركزا له!
نحب مصر ونجل دورها ونثمن عطاء ابنائها ووجودهم بيننا على الرحب والسعة، فهم اخوة واهل لنا، في الوقت نفسه نود ان نذكر هذا البعض من اعضاء مجلس الشعب بأن الكويت ما كانت ولن تكون في يوم من الايام الحائط الواطي لا لهم ولا لغيرهم.