مشعل أبا الودع الحربي
إن المجتمع الإسلامي يقوم على قاعدة صحيحة، تنبثق منها نظمه، وأحكامه، وآدابه، هذه العقيدة هي الإسلام، ومن هنا جاءت تسميته المجتمع الإسلامي، لأنه يتخذ من الإسلام منهاجا، ودستورا لحكمه، ومصدرا لتشريعه، وتوجيهه في كل شؤون الحياة.
والإسلام يقيم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين على أسس وطيدة من التسامح، والعدالة، والرحمة، وهي أسس لم تعرفها البشرية قبل الإسلام، وأساس هذه العلاقة قوله تعالى:” لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.
والتسامح الإسلامي مع أهل الكتاب حقيقة ثابتة من الكتاب والسنة، وشهد بها التاريخ منذ عهد الخلفاء الراشدين، وشهد بها الواقع الحاضر في بلاد المسلمين حيث تتجاور فيه الجوامع والكنائس، وتسمع الآذان ودقات النواقيس، وتعيش الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين تنعم بالأمان والاستقرار.
وما اتسم به المسلمون من التسامح مع غير المسلمين ندر أن يوجد في الحضارات السابقة، أو اللاحقة، فقد كانت الأوامر الشرعية تقضي باحترام دور عبادة غير المسلمين، ومنع الاعتداء عليهم، واحترام إنسانية أصحاب الأديان المخالفة احتراما كاملا يمتد إلى احترام آدميتهم، وكرامتهم، وأعراضهم، وأموالهم.
كما روى أبو يوسف في كتاب “الخراج” ماجاء في عهد النبي لأهل نجران:”ولنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت أيدهم من قليل أو كثير”.
وحرية العقيدة امر كفله الإسلام، فقد كفل حرية العقيدة لأهل الكتاب، وحرية إقامة شعائرهم، وصان لهم حرية التعبد، والإعتقاد من غير إجبار، ولا إكراه، ولاضغوط، قال تعالى:” لا إكرره في الدين قد تبين الرشد من الغي”.
وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات”ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاؤوا من ليل أونهار، إلا في أوقات الصلاة ، وأن يخرجوا الصلبان في عيدهم”.
وكفل لهم الإسلام حق حماية دمائهم، وأنفسهم، وأبدانهم، وقتلهم حرام بالإجماع. قال النبي (صلى الله عليه وسلم):”من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وأن ريحها ليوجد مسيرة أربعين عاما”.
ويتمتعون بكفالة الإسلام لهم عند العجز والفقر، وغير ذلك، فقد ضمن لهم كفالة المعيشة الملائمة لهم، لأنهم يعيشون في حضانة المجتمع الإسلامي.
وجاء ذلك في قصة من اروع قصص الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) لما رأى شيخا يهوديا يسأل الناس، فسأله عن ذلك، فعرف أن الشيخوخة والحاجة ألجأته إلى ذلك، فأمر أن يفرض له، ولأمثاله من بيت المال مايكفيهم، ويصلح شأنهم، وقال في ذلك:” ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شابا، ثم نخذله عند الهرم”.
والأمثلة في التعامل مع غير المسلمين والإحسان إليهم كثيرة، وهي توقظ مشاعر المتطرفين المشددين الى عدم الإساءة بهم، لأن الله أمر الإحسان إليهم، وأثبت بذلك نبيه في هديه وسيرته العطرة، ثم صحابته الكرام (رضوان الله تعالى عليهم).
كاتب سعودي